Saturday, December 23, 2006

حكم بن عطاء الله السكندري - الحكمة الثامنة


تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال


شرح الحكمة:

يُعرف الحال بأنه الوضع الذي يمر عليه الإنسان ثم يتجاوزه دون أن يستقر عليه، و هي نوعان: نفسية و اجتماعية.

1- الأحوال النفسية:
هي الحالة الذهنية والقلبية الموصلة إلى الله، و هي تلم المشاعر الداخلية التي تمر و تمضي، و لا يوجد لها ميقات، و قد يطول أمدها أو يقصر، و هي تأتي نتيجة وقوف و تأمل. فمن الناس من يقف أمام أسماء الله التي فيها الرحمة و الكرم، و العفو و المغفرة فيحسن الظن بربه، و منهم من يقف أمام صفات القهر و العقاب فيتغلبه الخوف و الشعور بالتقصير، و من أمثلة ذلك ما ذكر من خبر داود الطائي الذي لم ينم الليالي من كثرة شعوره بالتقصير. و هذا الفضيل بن عياض الذي لم يقدر أن يدعو لما حج في جبل عرفات خجلا و حياء من الله، و هذا معروف الكرخي الذي كان صائما فسمع سقاء يدعو بالرحمة لمن شرب منه، فأفطر كي يناله دعاؤه.

فعنوان العمل ليس هو مناط المثوبة و القبول من الله عز و جل، بل ذلك مناط ما تفرزه الحالة التي يمر بها المسلم المتجه بكليته إلى الله. و يدخل في تنوع أجناس الأعمال تفاوت الناس و مدى قربهم من الله، فهذا من عُرضت عليه الطيبات زهد فيها كحال داود الطائي، و منهم من تمتع بها استشعارا للطف الله و رحمته و كرمه.
فطبيعة الأعمال التي قاموا بها، إنما كانت نتيجة حالة نفسية كانوا فيها.

2- الأحوال الاجتماعية:
و تعني بخلاصة الحالة الاجتماعية المحددة للإنسان (أعزب أم متزوج، دارس أم موظف) فمثلا العازب لا يحمل إلا مسؤولية نفسه، ينهل من العلم الشرعي و يتقرب إلى الله وقت فراغه، أما إن تزوج فلا يجب عليه إهمال أسرته بدعوى التقرب إلى الله، فذلك أيضا تقرب إلى الله.
و العامل في المصنع، عليه الإتقان في عمله ثم الانصراف إلى عمله بعد الصلاة دونما تكاسل...

والمقصود أن الأعمال تتنوع وتختلف باختلاف حالة الإنسان الداخلية والخارجية وقربه من الله عز وجل

لكن...
دون أن ننسى أن الجميع مشترك في أساسيات العبادة: الصلاة المفروضة، الصوم، الحج، الزكاة...


و الأثر التربوي للحكمة هو الالتزام بضبط الأدب وحسن المعاملة مع عباد الله ما داموا مسلمين، و حسن الظن بهم مقصرين كانوا أو صالحين ومما يدل علي ذلك كثير مما سمعت من قصص مسجونين وهم في نظر الناس ظالمين ولكن بتأمل حالتهم النفسية وما تعرضوا له من ضغوط وأخطاء تربوية تكتشف
أنهم بداخلهم بشر طبيعين مثلنا تماما وهذا ليس تبرير لهم ولكن مجرد محاولة لتفسير مثل هذه الظواهر وقد نكون أنفسنا مررنا بمثل هذه الحالة من الذنوب والبعد عن الله عز وجل "كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبنوا إن الله كان بما تعملون خبيرا" -النساء 94-....

وثاني أثر تربوي هو من الأفضل التركيز علي حالة القلب في العبادة وليس ظاهر العمل فقط لأن ظاهر العامل متغير وتابع لحالة الأنسان.

إلا انه يجب أن نحذر...

من الخلط بين الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و سوء الظن بالناس، فالواجب تذكير المقصرين مع حسن الظن بهم والدعاء لهم